أولًا - العلم
العلم شرط أساس لنجاح الحوار وتحقيق غايته ، وبدونه لا ينجح حوار ، ويهدر الوقت ويضيع الجهد .
فيجب على المحاور ألا يناقش في موضوع لا يعرفه ، ولا يدافع عن فكرة لم يقتنع بها ، فإنه بذلك يسيء إلى الفكرة والقضية التي يدافع عنها ، ويعرض نفسه للإحراج وعدم التقدير والاحترام .
يقول الشيخ ابن تيمية في التأكيد على ضرورة العلم وأهميته لمن يتصدى للحوار : "وقد ينهون عن المجادلة والمناظرة ، إذا كان المناظر ضعيف العلم بالحجة وجواب الشبهة ، فيخاف عليه أن يفسده ذلك المضل ، كما ينهى الضعيف في المقاتلة أن يقاتل علجًا قويًا من علوج الكفار ، فإن ذلك يضره ويضر المسلمين بلا منفعة" .
ثانيًا - البدء بالنقاط المشتركة وتحديد مواضع الاتفاق
بين كل متناظرين مختلفين حد مشترك من النقاط المتفق عليها بينهما والتي يسلم بها الطرفان ، والمحاور الناجح هو الذي يظهر مواطن الاتفاق . والبدء بالأمور المتفق عليها يساعد على تقليل الفجوة ، ويوثق الصلة بين الطرفين ، ويعيد الحوار هادئًا هادفًا .
أما إذا كان البدء بذكر مواضع الخلاف وموارد النزاع فإن فرص التلاقي تقل ، وفجوة الخلاف تتسع ، كما أنه يغير القلوب ، ويثير النفوس للغلبة دون النظر إلى صحة الفكرة .
فالبدء بالنقاط المشتركة يساعد على تحرير محل النزاع ، وتحديد نقطة الخلاف ، ويفيد في حسن ترتيب القضايا والتدرج في معالجتها .
ثالثًا - التدرج والبدء بالأهم
إن المحاور الناجح هو الذي يصل إلى هدفه بأقرب طريق ، ولا يضيع وقته فيما لا فائدة منه ، ولا علاقة له بأصل الموضوع ، فمعرفة الأهم والبدء به يختصر الطريق .
وأوضح الأمثلة على ذلك بدء الأنبياء - صلوات الله عليهم وسلامه - بأهم قضية وأكبر غاية ، وهي الدعوة إلى عبادة الله وحده لا شريك له : اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قالها نوح وهود وصالح وشعيب عليهم السلام .
ومع التأكيد على هذا الأدب - البدء بالأهم - فقد يحتاج المحاور إلى أن يتدرج ويتنازل مع خصمه ، ويسلم له ببعض الأمور تسليمًا مؤقتًا حتى يصل إلى القضية الأم والمسألة الأهم .
ومن نماذج هذا الأسلوب ما اتبعه إبراهيم مع قومه ليصل بهم إلى التوحيد وإبطال الشرك ، كما قال سبحانه : فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي وهذا على وجه التنزل مع الخصم ، أي ربي -بزعمكم- فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فبطلت عبادة الكواكب ، ثم فعل مثل ذلك لما رأى القمر ولما رأى الشمس حتى وصل بهم إلى حد إبطال ما هم عليه من الشرك .
رابعًا - الدليل
إن أهم ما ينجح الحوار : الدليل ، ولا بد من إثبات صحة الدليل ، كما قيل : "إن كنت ناقلًا فالصحة ، أو مدعيًا فالدليل" . ولا يحسن بالمحاور أن يستدل بأدلة ضعيفة أو حجج واهية . فدليلان قويان لا يمكن الرد عليهما أفضل من سوقهما مع ثلاثة أدلة أخرى يمكن الأخذ والرد فيها ، إذ ربما يستغلها الطرف الآخر ، فيضعف الفكرة ويسيء إلى موقف صاحبها بسبب الأدلة الضعيفة .
ومتى وجد الدليل وثبتت صحته ، فلا بد من صحة دلالته على المطلوب ، ولا بد من ترتيب الأدلة حسب قوتها وصراحتها في الدلالة على المقصود .
خامسًا - ضرب الأمثلة
إن المحاور الناجح هو الذي يحسن ضرب الأمثلة ، ويتخذها وسيلة لإقناع محاوره ، إذ إن الأمثلة الجيدة تزيد المعنى وضوحًا وبيانًا .
ولما للأمثلة من دور كبير في تقريب المعاني والإقناع بها ، فقد اعتنى القرآن بها كثيرًا ، وأشار إلى أهميتها وبيان هدفها : وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ
سادسًا - العدول عن الإجابة
إن الأصل في الحوار الناجح أن يبنى على الإخلاص والتجرد للحق والصدق والوضوح ، ولكن قد تتعذر هذه الصفات في الخصوم ، فقد يكون الخصم يهوى الجدال والمراء ، ويقصد إضاعة الوقت والتهرب من الحوار الجاد ، وقد يلقي أسئلة لا قيمة لها ولا تفيد شيئًا بالحوار .
ففي مثل هذه الأحوال يعدل المحاور الناجح عن الجواب المباشر للسؤال المطروح ، إلى جواب مفيد مهم .
سابعًا - الرجوع إلى الحق والتسليم بالخطأ
إن من أهم الآداب والصفات التي يتميز بها المحاور الصادق أن يكون الحق ضالته ، فحيثما وجده أخذه ، والعاقل هو الذي يسلم بخطئه ، ويعود إلى الصواب إذا تبين له ، ويفرح بظهوره ، ويشكر لصاحبه إرشاده ودلالته إليه .
والتسليم بالخطأ صعب على النفس ، خاصة إذا كان في مجمع من الناس ، فهو يحتاج إلى تجرد لله وصدق وإخلاص ، وقوة وشجاعة .
ثامنًا - التحدي والإفحام وإقامة الحجة على الخصم
إن الهدف من الحوار هو الوصول إلى الحق ، فعلى المحاور أن يتجنب أسلوب الإفحام والإسكات ، لأنه يترك في نفس المحاور حقدًا وغيظًا وكراهية .
ولكن يلجأ المحاور إلى التحدي والإفحام مع من استطال وتجاوز حدود الأدب ، وطغى وظلم وعادى الحق وكابر مكابرة بينة ولجأ إلى الاستهزاء والسخرية ، ونحو ذلك .
وفي مثل هؤلاء جاءت الآية الكريمة : لَا يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلَّا مَنْ ظُلِمَ
ولما أمر الله - سبحانه - بالتلطف في المناقشة - حتى مع الكفار - استثنى حالة إذا ما ظلموا وبغوا ، فلا ينفع معهم الرفق واللين ، بل يستعمل معهم الغلظة والشدة : وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ