لقد ثبت بالحس والمشاهدة أن الأجسام الخفيفة هي التي تعلو وترتفع، وأن الأجسام الثقيلة هي التي ترسف وتسفل، والأرواح علوية الطبع، فهي تحن إلى العلو وتتوق له بفطرتها، وترغب فيه بطبعها.
وإن مما يساعد النفس على الوصول إلى غايتها المنشودة لها وهي العلو دائما: أفعال البر والطاعة والخير والإحسان، كما أن مما يعوقها ويحول بينها وبين ما تشتهي من العلو والكمال الذنوب والجرائم والمفاسد وا لشرور والآثام.
وقد مد المولى الكريم سبحانه وتعالى يده إلى هذه النفس التواقة إلى العلى الشغوفة بحب الكمال إذ دعاها إلى جنابه فقال: ففروا إلى الله وفتح لها بابه فقال: ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا وما أحوج النفس في رحلتها الروحية إلى الزاد والتخفيف وهي فقيرة ببعدها عن مولاها، ثقيلة بركونها إلى دنياها!
لكن من وضع لها موائد بره ودعاها إلى رحاب أنسه لم يكن أبدا لينساها، فقد أعطاها من خير زاد الورى لما قال: وتزودوا فإن خير الزاد التقوى وساعدها على التخفيف لما أمرها بالتجرد من المخيط والمحيط، والذنوب والآثام، وبهذا تجلت الحكمة في الإحرام، وعرفنا السر في التجرد من الآثام، فإن الحاج وافد على الله تعالى، فكان عليه أن يختار أجمل حلة يلقى بها مولاه، وليس في الدنيا جميل يحبه الله ويرضاه سوى طاعته وتقواه، وأن ينتقي أحسن صورة يفد فيها على الله، وليس ثمة ما هو خير من صورة تنبئ بالافتقار، والذل والانكسار. فليفد إذا الوافدون على الله، وهم أشبه بالحفاة العراة، وليكن الشعث شعارهم، وتناسي الذات دثارهم، وتطهير الروح بالتلبية والتضرع بالدعاء مرامهم، فإنهم بذلك واصلون، وعلى رضى مولاهم حائزون وتلك بغيتهم وبغيتنا في الحياة فاللهم قربنا منك ولا تبعدنا وصلنا ولا تقطعنا، وارض عنا ولا تغضب علينا آمين آمين يا رب العالمين.