إن نظرة واحدة في تلك الأحاديث الواردة في الترهيب لكافية في أن تجعلنا نعتقد أن وجود هيئة أو جمعية باسم الدعوة إلى حج بيت الله الحرام تشكل في طيبة أو في أم القرى مكة المكرمة وتنشيء لها فروعا في كافة أنحاء العالم الإسلامي تكون مهمتها إلقاء الخطب، وإقامة المحاضرات، وتوزيع النشرات، وكتابة الصحف والمجلات، ومساعدة الحجاج في كل بلد بالتوجيهات والإرشادات، وبتقديم كافة المساعدات الممكنة لمن يعزم على حج بيت الله الحرام، أمر مستحسن عقلا وشرعا. أما من جهة العقل فإن العقل لا يستقبح المساعدة على الخير والدعوة إليه بصورة منظمة، وبطرق جدية كافية في حمل الناس على الخير والمسارعة إليه.
وأما من جهة الشرع فإن ما يلمسه القارئ من أحاديث الترغيب والترهيب الواردة في شأن الحج يجعله مقتنعا تماما بأن عملا كهذا لا يعدو أن يكون تنفيذا لرغبة الرسول صلى الله عليه وسلم وعملا بطاعته ونزولا عند رضاه ومراده. وهذا لا شك أنه من أحسن الأعمال وأفضلها، وأوفرها مثوبة وأحسنها جزاء عند الله يوم الدين والجزاء.
وهل قول عمر رضي الله عنه : لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين ما هم بمسلمين؟ .
وهل قول علي رضي الله عنه: من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا؟ هل قولهما هذا لا يعد دعاية بالتعبير العصري للحج؟ وهل موقفهما في ترهيب الناس من التهاون في أداء هذه المناسك لا يعتبر موقف الداعي إلى الحج داعيا إلى الله؟ وهل الدعوة إلى الله تعالى غير واجبة؟ وما يدرينا أن الدعوة إلى الصح وباسم الحج ستنقلب دعوة إسلامية عامة تشمل الدعوة إلى توحيد الله وعبادته والتزام طاعته والوقوف عند كافة حدوده؟ وما أحوج الإسلام إلى الدعوة والتبشير في بلاده وبين أهليه، وخارج بلاده وبين الكافرين به!!!