المطلب الثالث : أثر عقائد اليهود على الإرهاب العالمي
إن الإرهاب الحقيقي واستخدام العنف بطريقة غير مشروعة يمتد بجذوره إلى العقيدة اليهودية المحرفة ، والتي تمثلها إسرائيل وتطبقها في واقعنا اليوم ، وإن دراسة التاريخ المعاصر للصهيونية ، يظهر بجلاء أن الكيان الصهيوني قد تبنى الإرهاب على مستوى الأفراد والدول على حدٍ سواء ، ولولا خشية الإطالة لسردنا إرهابهم الحالي الذي يشهد به القاصي والداني وقد ألفت في ذلك كتب عديدة ، وهناك مواقع في الشبكة العالمية (( الإنترنت )) خصصت لذلك .
لكننا في هذا البحث معنيون ببيان الجذور التي تربي وتغذي الإرهاب وهي جذور عقائدية .
إن في عدم معرفة اليهود لله تعالى حقًا ، وبما يجب له من صفات الكمال والجلال لأثرًا كبيرًا على سلوكهم وعدوانهم ، فمن كان بالله أعرف كان لله أخوف ، وكتبهم مليئة بالاستهزاء والانتقاص من حق الله تعالى ، ومن اعتدى على الله من باب أولى أن يعتدي على خلقه .
وكذلك نجد وصفهم لرسل الله تعالى وأنبيائه - عليهم السلام - بما يستحيي المرء من ذكره يعد احتقارًا وعدوانًا عليهم ، ومن اعتدى على أنبياء الله تعالى فلن يتردد أو يتأخر في العدوان على غيرهم من البشر .
كما أن عدم الإيمان باليوم الآخر يجعل منهم عبيدًا للمادة وللتراب ولكل ما هو أرضي ، وفي اعتقادهم بأنهم شعب الله المختار وتميزهم العنصر يجعلهم يسوِّغون كل عمل إرهابي في حق غيرهم لأنهم هم الأسياد وما عداهم خدم لهم .
واعتقادهم بأرض الميعاد يجعلهم يستبيحون احتلال أراضي المسلمين وطردهم وقتلهم لإخراجهم منها ، وقد تسببت هذه العقيدة في حروب دامية وصراعات طويلة بينهم وبين المسلمين ، وقد بين لنا المولى عز وجل في القرآن الكريم فساد عقيدتهم ، وحذرنا منهم في أكمل بيان وأجلى حقيقة .
وإن الباحث ليعجب أشد العجب حين يعلم أن توراة بني إسرائيل الحالية تعد سجلًا دقيقًا ومفصلًا لشرورهم وآثامهم ، وصمم آذانهم عن الاستجابة لله ، ومخالفتهم لشريعته ، وخيانتهم لعهده ، بل كفرانهم به ، وعبادتهم الأصنام والأوثان من دونه ، وقتل أنبيائهم في أطوار تاريخهم ، فما من سفر من أسفارهم إلا يزخر بعبارات السخط والغضب التي صبها الله على بني إسرائيل صبًا في كل عهودهم منذ أن أخرجهم الله من مصر ، إلى أن أهلكهم بظلمهم ، وقضى بخراب بلادهم ، وتقطيعهم في الأرض .
ويهود اليوم هم الخلف السيئ لمن سلف ، إننا نجد هؤلاء الخلف ينطلقون من تراث السلف ، فوراء كل جريمة يرتكبونها نبوأة مزعومة تسوِّغها لهم .
يقول هرتزل : (( . . . إن هدف الحركة الصهيونية هو تنفيذ النص الوارد في الكتاب المقدس بإنشاء وطن قومي يهودي في فلسطين )) .
ويقول بن غوريون : (( قد لا تكون فلسطين لنا من طريق الحق السياسي أو القانوني ، ولكنها حق لنا على أساس ديني ، فهي الأرض التي وعدنا الله ، وأعطانا إياها من الفرات إلى النيل)) .
ولعل أشد ما دونته نبوءاتهم المحرفة تحريضًا لليهود على التوسع العدواني الظالم هو : (( كل مكان تطؤهُ أخامص أرجلكم لكم أعطيته )) .
فهم مرتبطون عقديًا بكل أرض سكنوا فيها ، من أرض الآباء والأجداد مثل كل فلسطين ، وسورية . . العراق ، ومصر ، والمجوز .
ولقد قال بن غوريون في تسويغ عدوان (1956م) : (( إنه يوطد أمن إسرائيل ، ويحميها من العدو ، ويحرر أرض الأجداد من الغاصبين )) .
ولما اعترض أحد الوزراء على احتلال الجولان ، وعلَّل اعتراضه بعدم وجود روابط توراتية ، رد عليه (( إيجال آلون )) قائلًا : (( إن الجولان قطعة من إسرائيل القديمة لا تقل أهمية عن الخليل ونابلس )) ، وهبَّ زعماء يهود يؤكدون أن استيلاءهم على الأراضي المحتلة ما هو إلا تحقيق لنبوءات العهد القديم .
وقال (( مناحيم بيجن )) في (28 / 5 / 1968 ) : (( إن الأراضي العربية المحتلة هي أراضٍ إسرائيلية حررتها إسرائيل من الحكم الأجنبي غير الشرعي )) .
حتى السور العنصري المقيت الذي اقترح بناءه إسحاق رابين - حمامة السلام المفترسة - وشرع بيريز في تنفيذه عام 1996م ، ووهو مثار الجدل حاليًا في حكومة شارون الذي سيحول المناطق الفلسطينية الحالية إلى معتقل كبير للفلسطينيين ، استخرجوا له أسطورة من كتاب القابلاه في شرح التوراة ، تنص على أن القدس هي ((الملكوت الذي سيحكم العالم ، وستحيط بها المرتفعات ، حتى لا تصل إليها قوى الظلام ، وستعلو جدرانها ؛ حتى يعود التوازن إلى العالم )) .
إذن وراء كل مجزرة ومذبحة وجريمة يهودية نبوأة توراتية مزيفة ، أو محرفة ، وليس على الآخرين سوى أن يرضخوا لإرادة الشعب المختار ، لأنها - وببساطة - إرادة الله في زعمهم .
وإنَّ العقيدة اليهودية المحرفة لم تكن مسطرة في كتبهم القديمة فحسب ، بل كانت حيةً في مناهجهم التي يربون عليها أطفالهم ، وبالفعل أثمرت هذه المناهج وفرخت ما نراه من إرهاب عبر شاشات التلفزة على مرأى ومسمع العالم كله ، ليشهد العالم على إرهابهم وعدوانهم المتأصِّل في نفوسهم التي ربيت على مناهج البغي والعدوان ، وسأعرض نموذجًا على هذا وهو رسالة دكتوراة بعنوان ((الاتجاهات الأيديولوجية في أدب الأطفال العبري )) للدكتورة سناء عبد اللطيف ، حيث تتبعت المؤلفة مناهجهم بالعبرية في دراسة موضوعية وسأنقل شيئًا من خاتمتها حيث قالت : يسعى المؤلفون إلى تلقين الأطفال مبادئ الأيديولوجية الصهيونية بشكل يظهر فيه بوضوح انحياز أدب الأطفال العبري للنسق القيمي للحركة الصهيونية ، ومتسقًا اتساقًا شديدًا مع أهدافها حتى إنه يمكن القول : إن أدب الأطفال العبري يُعدّ سمفونية دعاوية وإعلامية ، وإنه يعمل بانضباط على إيقاع تعاليم الأيديولوجية الصهيونية .
إن أدب الأطفال العبري يسعى إلى صهينة الجيل الجديد من اليهود في إسرائيل .
ويعمد إلى خلق ما يؤيد كل القضايا التي واجهت الصهيونية سواء كان ذلك :
* تسويغ رفض الاندماج في مجتمعات الشتات اليهودي ، وذلك بالتركيز على ما يطلقون عليه العداء للسامية وكراهية اليهود .
* أو بتسويغ اغتصاب فلسطين من العرب ، وذلك بالتركيز على مقولة أرض اليهود التاريخية والحق الديني والتاريخي لهم في فلسطين .
* مضمون الأدب العبري مناسب جدًا لأهدافه ، وهو يتسق اتساقًا مباشرًا مع أهداف الصهيونية ومتمشٍ مع اتجاهاتها العقدية .
* يركز الأدب العبري الموجّه للأطفال على وضع المفاهيم الصهيونية في قالب ديني عاطفي يمكنه من جذب اليهود وتأييدهم وإثارة حماستهم الدينية من خلال تحويل القيم اليهودية إلى مفاهيم سياسية قومية .
* يركز الأدب الموجّه للأطفال أيضًا على الدعوة إلى الاهتمام باللغة العبرية من أجل الحفاظ على التراث اليهودي وبعثه وتعميقه بين الأطفال .
* يركز أدب الأطفال على تدعيم الإحساس لدى الأطفال بحتمية الحروب من أجل ضمان الوجود البيولوجي الإسرائيلي ، فيكثر الأدباء من الحديث عن وضع اليهود في أيام الحروب .
* ومن ناحية أخرى ، فإن اهتمام الأدباء بوضع اليهود في جوّ محاصر بالأعداء في قصصهم الموجّهة للأطفال يؤكّد في نفوسهم المقولة الصهيونية : ((لا خيار إلا القتال)) وبذلك يعدّ الأطفال نفسيًا لتقبل فكرة التجنيد الإلزامي حينما يصلون إلى السن الملائمة لذلك ، وتهيئتهم لخوض الحروب .
وقد سادت الصفحات السلبية معظم كتب الأطفال لتشوه الشخصية العربية ، مثل الخيانة والكذب والمبالغة والدهاء والوقاحة والشك والوحشية والجبن وحب المال وسرعة الغضب والتملق والنفاق والتظاهر والتباهي والخبث ، كما وُصِفَ العربيُّ بأنه قاتل وسارق ومخرّب ومتسلل وقذر وذو ملامح تثير الرعب .
ويبقى المحور الكبير أيضًا في مناهجهم ، هو التأكيد على حقهم التاريخي المزعوم في فلسطين ، بل قدسية ترابها حتى إنه كان يقدم هديةً إلى اليهود في الشتات ، ليوضع معهم في قبورهم هناك !
هكذا يربي اليهود أجيالهم ، فماذا قدمنا لأجيالنا ؟
وقد أصدر الباحث الإسرائيلي الدكتور : (( إيلي فودا )) مؤخرًا دراسة تتقصى البعد الديني في الكتب المدرسية الإسرائيلية ، وقد غطت ستين كتابًا على مدار أربعين سنة ، يقرر في هذه الدراسة أن إسرائيل عملت على صناعة تربوية كاملة هدفها الفصل بين تاريخ ممنوع وتاريخ مسموح ، وذلك في سياق بناء الشخصية الإسرائيلية وبشكل غدت معه الكتب المدرسية عارية من الحقائق العلمية ومستغرقة بالميثولوجيا ، ومن خلال ذلك جردت كتب التاريخ الإسرائيلية العرب والمسلمين من كل نزعة إنسانية وإيجابية . وبين في هذه الدراسة كيفية إخضاع التاريخ للسياسة الإسرائيلية