وصلنا في الدرس الماضي إلى موضوعات دقيقة منها : هل للجن تأثير في أجسام الإنس ؟ وهل يُلقي الجن علوماً وأخباراً غيبية ؟ وهل للشياطين سلطان على الإنس في عقائدهم وإرادتهم وأعمالهم ؟
كما قلت لكم من قبل أيها الأخوة الأكارم هناك مجموعة من العقائد يجب أن يعلمها المسلم بالضرورة . لأنه إذا جهلها انحرفت عقيدته ، وإذا انحرفت عقيدته انحرف سلوكه وإذا انحرف سلوكه شقي في الدنيا والآخرة ، فمعرفة بعض العقائد التي نص عليها علماء الأصول فرض واجب على كل مسلم ، هناك معلومات معرفتها تُعد فرض كفاية .. التبحر مثلاً في علم المواريث هذا فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الكل لكن معرفة الإيمان بالله تحقيقاً .. والإيمان بأسمائه الحسنى .. والإيمان بالملائكة .. والإيمان بالجن ، والإيمان بالرسل ، والإيمان بالكتب ، والإيمان بالقضاء والقدر ... هذه عقائد يجب أن تُعلم بالضرورة.. وهي فرض عين على كل مسلم .
توضيح دقيق .. لو أنّ إنساناً اشترى سيارة .. يجب أن يعرف أنه إذا تألق الضوء الأحمر في لوحة العدادات لابد من أن يقف فوراً ليضيف زيتاً إلى المحرك .. وإلاّ يحترق المحرك .. هذه المعلومات يجب أن يعرفها كل من يقود سيارة ، لكن نوع الخلائط التي استخدمت في صناعة المحرك هذه ليست لكل من يركب السيارة .. هذه للذين يتخصصون في صناعة السيارات ، فهناك علوم يجب أن يعلمها كل إنسان مسلم ولا عذر له في جهلها ، وإذا جهلها زاغت عقيدته فانحرف سلوكه فشقي في الدنيا والآخرة..
إذن موضوع الجن من العقائد التي يجب أن تُعلم بالضرورة .. لأنك إذا توهمت أن هذا فلان يعرف الغيب ، وأن هذا الشيخ .. مثلاً .. يطّلع على ما سيكون وأنه قال لك افعل كذا وكذا .. إنك تمشي في متاهات لا أساس لها من الصحة . فالسؤال اليوم .. مدى علاقة الجن بالإنس .
أولاً : إن يكن لخبثاء الجن .. " مرّ معنا من قبل أن من الجن من هم مؤمنون ومنهم من هم كافرون " .
(سورة الجن)
إن يكن لخبثاء الجن بعض التأثير الجسمي على أحدٍ من الإنس فإنما يؤثرون على من يستكين بأوهامه وتخيلاته لسلطانهم . لا يستطيعون أن يؤثروا على أحد إلا إذا استكان لهم وخضع لهم واتبعهم واعتقد بهم وأشركهم مع الله عز وجل .. هذا الذي يفعل ذلك يتحمل تأثيراتهم .. تأثيرات الجن .. فكل من يستكين بأوهامه لهم .. كل من يتخيل أنهم بيدهم نفعه أو ضره .. كل من يخضع لسلطانهم من ذكرٍ أو إنس يتعرض لمسّهم وتخبطاتهم .. لاستعاذته بهم ، والتماسه نفعهم ، أو استخدامه للإضرار بأعدائه من إخوانه من الإنس .
هذه الحالات ... محددة ... من أراد أن يستخدم الجنّ ليضرّ بهم إخوانه من الإنس أو من التمس النفع عندهم ، أو من استعاذ بهم ، أو من خضع لسلطانهم ، أو من اعتقد بهم أو من استكان بأوهامه لهم ... هذا الإنسان بالذات يدفع ثمن جهله وثمن شركه وثمن ضلاله ... إذن قد يتعرضون له بالأذى ... فقد علّمنا النبي عليه الصلاة والسلام أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين ، هكذا علمنا النبي ومن حضورهم .. ومن ذلك ما رواه أبو داوود والترمذي عن عَمرو بن شُعيب عن أبيه عن جده أن النبي عليه الصلاة والسلام قال :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا فَزِعَ أَحَدُكُمْ فِي النَّوْمِ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ غَضَبِهِ وَعِقَابِهِ وَشَرِّ عِبَادِهِ وَمِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ وَأَنْ يَحْضُرُونِ فَإِنَّهَا لَنْ تَضُرَّهُ *
يعني إذا وجد واحد ابنه في الليل بكى بكاءً شديداً فجأة ، فليستعذ بالله من همزات الشياطين ، هذا هو السلاح الفعال ، هذا هو السلاح المجدي ، ومنه ما رواه أبو داوود وابن ماجه بإسناد صحيح عن زيد بن الأرقم قال عليه الصلاة والسلام :
عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ هَذِهِ الْحُشُوشَ مُحْتَضَرَةٌ فَإِذَا أَتَى أَحَدُكُمُ الْخَلاءَ فَلْيَقُلْ أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ *
هذا دعاءٌ مأثور عن النبي عليه الصلاة والسلام " أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ ". فالفكرة الأولى أن الشياطين ليس لهم سلطان على الإنسان إلا إذا اعتقد بهم الإنسان أو أشركهم مع الله ، خضع لسلطانهم توهم أنهم ينفعونه أو يضرونه ، ابتغى النفع عندهم ، استعاذ بهم التجأ إليهم ، أراد أن يكيد لإخوانه من الإنس عن طريقهم ، إذا فعل هذا !! مسّه شرهم ومسته همزاتهم ودفع ثمن شركه وبغيه وعدوانه غالياً ...
الآن : السؤال المهم .. " هل يُلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً ؟ . أما العلوم والأخبار التي يمكن أن يلقيها الجن إلى قرنائهم من الكهان ، بالمناسبة : لا يمكن لإنسان أن يتعاون مع الجن إلا أن يكون كافراً … هذا قولاً واحداً .. قولاً واحداً أن الذي يتعاون مع الجن لا يمكن أن يكون إلا كافراً ، لأن من أدق تعريفات الساحر هو الذي يتصل بالجن وقد قال عليه الصلاة والسلام :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ عَقَدَ عُقْدَةً ثُمَّ نَفَثَ فِيهَا فَقَدْ سَحَرَ وَمَنْ سَحَرَ فَقَدْ أَشْرَكَ وَمَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ * .
" من سَحَرَ فقد كفر " فأي اتصال بين الجن وبين الإنس ، هذا اتصال هدفه إضلال البشر ، ولو تزيّ هذا الذي يتصل بالجن بألف زي وزي ، لو كان له زيّ ديني .. لو لبس عمامة خضراء ، هو عند رسول الله كافر ، لأن هدفه إيهام الناس أن بيد الجن النفع والضر . هدفه تحويل الناس عن الله سبحانه وتعالى إلى خلقه ... إذن السؤال الآن : هل يلقي الجن للإنس علوماً وأخباراً ؟
الجواب : أما العلوم والأخبار التي يمكن أن يلقيها الجن إلى قرنائهم من الكهان … قرنائهم … من الكهان … فهي بحسب مواضيع هذه العلوم التي يلقونها ، فإن كانت من العلوم التي تتعلق بالأمور المشهودة .. يعني مثلاً .. في حلب نزلت أمطار غزيرة هذا اليوم .. نزول المطر في حلب هذا اليوم مثلاً .. هذا من الأشياء المشهودة وليس من الأشياء الغيبية من الأشياء التي وقعت ، لكن نقل الخبر قد لا يكون متيسراً للإنس قبل الاتصالات السلكية واللاسلكية .. وقبل السفر السريع إلى هذه البلاد . قبل أن يكون هناك اتصال ... نقل أنباء الأمطار التي هطلت في حلب اليوم إلى الشام متعذر .
فالجن أحياناً يستطيعون أن ينقلوا هذه الأخبار " التي وقعت " ليس التي ستقع بل التي وقعت ، هذا ليس من عالم الغيب ، هو من عالم الشهادة ، ... فإن كانت من العلوم التي تتعلق بالأمور المشهودة أو الأخبار التي عن الوقائع الماضية ، فإنها أخبار تحتمل الصدق والكذب قد يصدقون وقد يكذبون ، وليس ببعيد أن يوجد في الجن كذابون ، وقد أثبت الله تعالى أن منهم العصاة الكافرون .
ومن جهة ثانية ، فإنه لا يصح الثقة بأخبارهم لانعدام المقاييس التي بحوذتنا في معرفة صدقهم وكذبهم .. ممكن .. فانتقال الجن سريع جداً .. والدليل :
(سورة النمل)
يعني قبل أن يقوم سيدنا سليمان من مقامه يستطيع العفريت من الجن أن يأتي بعرش بلقيس من اليمن إلى القدس ، فانتقاله سريع جداً ، لذلك لما قال الله عز وجل :
(سورة الرحمن)
الله سبحانه وتعالى ، قدم الجن على الإنس لأنهم أقدر من الإنس على خرق السماوات والأرض لميزات أعطاهم الله إياها .
على كلٍ .. شخص أعرفه .. توفي .. رحمه الله .. سُرقت من بيته قطعة أثاث ثمينة جداً .. " سجادة " فدلّه بعضهم على من يضرب له المندل .. هذه القصة سمعتها بإذني منه .. توفي الآن رحمه الله .. قال ذهبت إلى ضارب المندل .. وجاء بوعاء وضع فيه زيت وجاء بغلام صغير وصار يسأل هذا الغلام والغلام يجيب .. يقول الغلام هذه السجادة موجودة في بيت ... أمام البيت حجر كبير .. الباب لونه كذا .. يُفتح الباب على بهو واسع على اليمين غرفة .. تدخلونها ، في زاوية الغرفة .. في مكان .. في عليه فرش .. في عليه لحف .. تنزعون الفرش واللحف .. هناك صندوق " يفتح الصندوق " هناك قطن .. ترفعون القطن .... السجادة تحت القطن ..... هكذا قال ضارب المندل " فقال هذا الرجل توجهت إلى هناك وأخذنا معنا المختار " له كان عمل في الدرك " أخذنا معنا المختار واقتحمنا البيت .. كل شيء قاله هذا الطفل في المندل صحيح بأدق التفصيلات " ، دخلنا البيت وجدنا الفتحة السماوية دخلنا إلى الغرفة وجدنا في صدرها فراغ في عليه صندوق وفرش وسرر .. فتحنا الصندوق وجدنا القطن ولكننا لم نجد السجادة !! القصة طويلة .. ذهبوا لصاحب البيت فإذا هو بياع سجاد .. ضربوه ولشدة الضرب قال : نعم أنا أخذتها وبعتها .. وانتقوا إحدى السجادات وأخذوها مكانها . قال هذا الرجل أخذنا السجادة بنفس القياس .. بعد أربعة أشهر يقول لي رجل كان في السجن .. أتدري من سرق من عندك السجادة ؟ قلت له أعرفه وقد ... لا .. قال لا .. كنت في السجن فحدثني أحد السجناء أنه هو الذي دخل بيتك وسرق السجادة .